الدرس الثاني والعشرون : غزوة خيبر وما صاحبها من أحداث

الدرس الثاني والعشرون : غَزْوَةُ خَيْبَرَ وَمَا صَاحَبَهَا مِنْ أَحْدَاثٍ

 

في مُدَّةِ صُلْحِ الحُدَيبيةِ – وكانتْ قَرِيباً مِنْ سنتين - بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُسُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ وَكَتَبَ مَعَهُمْ كُتُبًا إلَى الْمُلُوكِ يَدْعُوهُمْ فِيهَا إلَى الْإِسْلَامِ .

فَبَعَثَ دِحْيَةَ بْنَ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيَّ إلَى قَيْصَرَ مَلِكِ الرُّومِ , وَبَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ السَّهْمِيَّ إلَى كِسْرَى مَلِكِ فَارِسَ ؛ وَبَعَثَ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ إلَى الْمُقَوْقَسِ مَلِكِ الإسكندرية ؛ وَإلَى غَيْرِهِمْ مِن الْمُلُوكِ .

غَزْوَةُ ذِي قَََرَد

فِي أَوَّلِ السَّنَةِ السَّابِعَةِ كَانَتْ غَزْوَةُ ذِي قَرَد .

قَالَ سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ( أَيْ بَعْدَ صُلْحِ الحُدَيْبِيَةِ ) فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِظَهْرِهِ مَعَ رَبَاحٍ غُلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَنَا مَعَهُ وَخَرَجْتُ مَعَهُ بِفَرَسِ طَلْحَةَ أُنَدِّيهِ (1) مَعَ الظَّهْرِ فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إِذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْفَزَارِىُّ قَدْ أَغَارَ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَاقَهُ أَجْمَعَ وَقَتَلَ رَاعِيَهُ قَالَ فَقُلْتُ يَا رَبَاحُ خُذْ هَذَا الْفَرَسَ فَأَبْلِغْهُ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ وَأَخْبِرْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَدْ أَغَارُوا عَلَى سَرْحِهِ

قَالَ : ثُمَّ قُمْتُ عَلَى أَكَمَةٍ فَاسْتَقْبَلْتُ الْمَدِينَةَ فَنَادَيْتُ ثَلاَثًا يَا صَبَاحَاهْ .

ثُمَّ خَرَجْتُ فِى آثَارِ الْقَوْمِ أَرْمِيهِمْ بِالنَّبْلِ وَأَرْتَجِزُ أَقُولُ :

أَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ *** وَالْيَوْمَ يَوْمُ الرُّضَّعِ

فَأَلْحَقُ رَجُلاً مِنْهُمْ فَأَصُكُّ سَهْمًا فِى رَحْلِهِ حَتَّى خَلَصَ نَصْلُ السَّهْمِ إِلَى كَتِفِهِ . قَالَ : قُلْتُ :

خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ *** وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ

قَالَ فَوَاللَّهِ مَا زِلْتُ أَرْمِيهِمْ وَأَعْقِرُ بِهِمْ فَإِذَا رَجَعَ إِلَىَّ فَارِسٌ أَتَيْتُ شَجَرَةً فَجَلَسْتُ فِى أَصْلِهَا ثُمَّ رَمَيْتُهُ فَعَقَرْتُ بِهِ حَتَّى إِذَا تَضَايَقَ الْجَبَلُ فَدَخَلُوا فِى تَضَايُقِهِ عَلَوْتُ الْجَبَلَ فَجَعَلْتُ أُرَدِّيهِمْ بِالْحِجَارَةِ .

قَالَ : فَمَا زِلْتُ كَذَلِكَ أَتْبَعُهُمْ حَتَّى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ بَعِيرٍ مِنْ ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلاَّ خَلَّفْتُهُ وَرَاءَ ظَهْرِى وَخَلَّوْا بَيْنِى وَبَيْنَهُ ثُمَّ اتَّبَعْتُهُمْ أَرْمِيهِمْ حَتَّى أَلْقَوْا أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثِينَ بُرْدَةً وَثَلاَثِينَ رُمْحًا يَسْتَخِفُّونَ وَلاَ يَطْرَحُونَ شَيْئًا إِلاَّ جَعَلْتُ عَلَيْهِ آرَامًا مِنَ الْحِجَارَةِ يَعْرِفُهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى أَتَوْا مُتَضَايِقًا مِنْ ثَنِيَّةٍ فَإِذَا هُمْ قَدْ أَتَاهُمْ فُلاَنُ بْنُ بَدْرٍ الْفَزَارِىُّ فَجَلَسُوا يَتَضَحَّوْنَ - يَعْنِى يَتَغَدَّوْنَ - وَجَلَسْتُ عَلَى رَأْسِ قَرْنٍ .

قَالَ الْفَزَارِىُّ : مَا هَذَا الَّذِى أَرَى ؟

قَالُوا : لَقِينَا مِنْ هَذَا الْبَرْحَ (2) وَاللَّهِ مَا فَارَقَنَا مُنْذُ غَلَسٍ يَرْمِينَا حَتَّى انْتَزَعَ كُلَّ شَىْءٍ فِى أَيْدِينَا. قَالَ : فَلْيَقُمْ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْكُمْ أَرْبَعَةٌ .

قَالَ : فَصَعِدَ إِلَىَّ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ فِى الْجَبَلِ . قَالَ : فَلَمَّا أَمْكَنُونِى مِنَ الْكَلاَمِ . قَالَ : قُلْتُ هَلْ تَعْرِفُونِى ؟

قَالُوا : لاَ , وَمَنْ أَنْتَ ؟

قَالَ : قُلْتُ : أَنَا سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ , وَالَّذِى كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ أَطْلُبُ رَجُلاً مِنْكُمْ إِلاَّ أَدْرَكْتُهُ وَلاَ يَطْلُبُنِى رَجُلٌ مِنْكُمْ فَيُدْرِكَنِى .

قَالَ : أَحَدُهُمْ أَنَا أَظُنُّ .

قَالَ : فَرَجَعُوا فَمَا بَرِحْتُ مَكَانِى حَتَّى رَأَيْتُ فَوَارِسَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَلَّلُونَ الشَّجَرَ .

قَالَ : فَإِذَا أَوَّلُهُمُ الأَخْرَمُ الأَسَدِىُّ عَلَى إِثْرِهِ أَبُو قَتَادَةَ الأَنْصَارِىُّ وَعَلَى إِثْرِهِ الْمِقْدَادُ بْنُ الأَسْوَدِ الْكِنْدِىُّ .

قَالَ : فَأَخَذْتُ بِعِنَانِ الأَخْرَمِ . قَالَ : فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ . قُلْتُ : يَا أَخْرَمُ احْذَرْهُمْ لاَ يَقْتَطِعُوكَ حَتَّى يَلْحَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ . قَالَ : يَا سَلَمَةُ إِنْ كُنْتَ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَتَعْلَمُ أَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَالنَّارَ حَقٌّ فَلاَ تَحُلْ بَيْنِى وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ .

قَالَ فَخَلَّيْتُهُ فَالْتَقَى هُوَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ . قَالَ : فَعَقَرَ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ فَرَسَهُ وَطَعَنَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَتَلَهُ وَتَحَوَّلَ عَلَى فَرَسِهِ وَلَحِقَ أَبُو قَتَادَةَ فَارِسُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ فَطَعَنَهُ فَقَتَلَهُ .

فَوَالَّذِى كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَتَبِعْتُهُمْ أَعْدُو عَلَى رِجْلَىَّ حَتَّى مَا أَرَى وَرَائِى مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ غُبَارِهِمْ شَيْئًا حَتَّى يَعْدِلُوا قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى شِعْبٍ فِيهِ مَاءٌ يُقَالُ لَهُ ذُو قَرَدٍ لِيَشْرَبُوا مِنْهُ وَهُمْ عِطَاشٌ .

قَالَ : فَنَظَرُوا إِلَىَّ أَعْدُو وَرَاءَهُمْ فَحَلَّيْتُهُمْ عَنْهُ - يَعْنِى أَجْلَيْتُهُمْ عَنْهُ - فَمَا ذَاقُوا مِنْهُ قَطْرَةً .

قَالَ : وَيَخْرُجُونَ فَيَشْتَدُّونَ فِى ثَنِيَّةٍ .

قَالَ : فَأَعْدُو فَأَلْحَقُ رَجُلاً مِنْهُمْ فَأَصُكُّهُ بِسَهْمٍ فِى نُغْضِ كَتِفِهِ .

قَالَ : قُلْتُ :

خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ *** وَالْيَوْمَ يَوْمُ الرُّضَّعِ

قَالَ : يَا ثَكِلَتْهُ أُمُّهُ أَكْوَعُهُ بُكْرَةَ ؟

قَالَ : قُلْتُ : نَعَمْ , يَا عَدُوَّ نَفْسِهِ أَكْوَعُكَ بُكْرَةَ (3)

قَالَ : وَأَرْدَوْا فَرَسَيْنِ عَلَى ثَنِيَّةٍ قَالَ فَجِئْتُ بِهِمَا أَسُوقُهُمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : وَلَحِقَنِى عَامِرٌ بِسَطِيحَةٍ فِيهَا مَذْقَةٌ مِنْ لَبَنٍ وَسَطِيحَةٍ فِيهَا مَاءٌ (4) فَتَوَضَّأْتُ وَشَرِبْتُ ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْمَاءِ الَّذِى حَلَّيْتُهُمْ عَنْهُ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَخَذَ تِلْكَ الإِبِلَ وَكُلَّ شَىْءٍ اسْتَنْقَذْتُهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَكُلَّ رُمْحٍ وَبُرْدَةٍ وَإِذَا بِلاَلٌ نَحَرَ نَاقَةً مِنَ الإِبِلِ الَّذِى اسْتَنْقَذْتُ مِنَ الْقَوْمِ وَإِذَا هُوَ يَشْوِى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كَبِدِهَا وَسَنَامِهَا .

قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ خَلِّنِى فَأَنْتَخِبُ مِنَ الْقَوْمِ مِائَةَ رَجُلٍ فَأَتَّبِعُ الْقَوْمَ فَلاَ يَبْقَى مِنْهُمْ مُخْبِرٌ إِلاَّ قَتَلْتُهُ .

قَالَ : فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ فِى ضَوْءِ النَّارِ فَقَالَ : يَا سَلَمَةُ أَتُرَاكَ كُنْتَ فَاعِلاً ؟

قُلْتُ : نَعَمْ , وَالَّذِى أَكْرَمَكَ .

فَقَالَ : إِنَّهُمُ الآنَ لَيُقْرَوْنَ فِى أَرْضِ غَطَفَانَ .

قَالَ : فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ غَطَفَانَ , فَقَالَ : نَحَرَ لَهُمْ فُلاَنٌ جَزُورًا فَلَمَّا كَشَفُوا جِلْدَهَا رَأَوْا غُبَارًا فَقَالُوا أَتَاكُمُ الْقَوْمُ فَخَرَجُوا هَارِبِينَ .

فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :كَانَ خَيْرَ فُرْسَانِنَا الْيَوْمَ أَبُو قَتَادَةَ وَخَيْرَ رَجَّالَتِنَا سَلَمَةُ .

قَالَ : ثُمَّ أَعْطَانِى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْمَيْنِ سَهْمُ الْفَارِسِ وَسَهْمُ الرَّاجِلِ فَجَمَعَهُمَا لِى جَمِيعًا ثُمَّ أَرْدَفَنِى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَاءَهُ عَلَى الْعَضْبَاءِ رَاجِعِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ . قَالَ : فَبَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ قَالَ وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ لاَ يُسْبَقُ شَدًّا .

قَالَ : فَجَعَلَ يَقُولُ أَلاَ مُسَابِقٌ إِلَى الْمَدِينَةِ هَلْ مِنْ مُسَابِقٍ ؟

فَجَعَلَ يُعِيدُ ذَلِكَ . قَالَ : فَلَمَّا سَمِعْتُ كَلاَمَهُ قُلْتُ أَمَا تُكْرِمُ كَرِيمًا وَلاَ تَهَابُ شَرِيفًا ؟

قَالَ : لاَ, إِلاَّ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِى وَأُمِّى ذَرْنِى فَلأُسَابِقَ الرَّجُلَ .

قَالَ : إِنْ شِئْتَ .

قَالَ : قُلْتُ : اذْهَبْ إِلَيْكَ وَثَنَيْتُ رِجْلَىَّ فَطَفَرْتُ فَعَدَوْتُ .

قَالَ : فَرَبَطْتُ عَلَيْهِ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ أَسْتَبْقِى نَفَسِى (5) ثُمَّ عَدَوْتُ فِى إِثْرِهِ فَرَبَطْتُ عَلَيْهِ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ ثُمَّ إِنِّى رَفَعْتُ حَتَّى أَلْحَقَهُ . قَالَ : فَأَصُكُّهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ . قَالَ : قُلْتُ : قَدْ سُبِقْتَ وَاللَّهِ .

قَالَ : أَنَا أَظُنُّ .

قَالَ : فَسَبَقْتُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ .

قَالَ : فَوَاللَّهِ مَا لَبِثْنَا إِلاَّ ثَلاَثَ لَيَالٍ حَتَّى خَرَجْنَا إِلَى خَيْبَرَ (6) مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (7) .

وَلِلْحَدِيثِ تَكْمِلَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِغَزْوَةِ خَيْبَرَ , تَرَكْتُهَا لِمَوْضِعِهَا الْمُنَاسِبِ لَهَا .

غَزْوَةُ خَيْبَرَ

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ : ثُمَّ أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ حِينَ رَجَعَ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ ، ذَا الْحَجِّةِ وَبَعْضَ الْمُحَرَّمِ وَوَلِيَ تِلْكَ الْحَجِّةَ الْمُشْرِكُونَ ثُمّ خَرَجَ فِي بَقِيَّةِ الْمُحَرَّمِ إلَى خَيْبَرَ .

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ نُمَيْلَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ اللَّيْثَيَّ ، وَدَفَعَ الرَّايَةَ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَتْ بَيْضَاءَ .

قُلْتُ : فِي حَدِيثِ سَلَمَةَ بنِ الأَكْوَعِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ المُتَقَدِمِ قَالَ : فَوَاللَّهِ مَا لَبِثْنَا إِلاَّ ثَلاَثَ لَيَالٍ حَتَّى خَرَجْنَا إِلَى خَيْبَرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَالَ فَجَعَلَ عَمِّى عَامِرٌ يَرْتَجِزُ بِالْقَوْمِ:

تَاللَّهِ لَوْلاَ اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا *** وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا

وَنَحْنُ عَنْ فَضْلِكَ مَا اسْتَغْنَيْنَا *** فَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا

وَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ هَذَا ؟

قَالَ : أَنَا عَامِرٌ .

قَالَ : غَفَرَ لَكَ رَبُّكَ .

قَالَ : وَمَا اسْتَغْفَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لإِنْسَانٍ يَخُصُّهُ إِلاَّ اسْتُشْهِدَ .

قَالَ : فَنَادَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ : يَا نَبِىَّ اللَّهِ لَوْلاَ مَا مَتَّعْتَنَا بِعَامِرٍ.

قَالَ : فَلَمَّا قَدِمْنَا خَيْبَرَ قَالَ خَرَجَ مَلِكُهُمْ مَرْحَبٌ يَخْطِرُ بِسَيْفِهِ وَيَقُولُ :

قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّى مَرْحَبُ *** شَاكِى السِّلاَحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ *** إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ

قَالَ : وَبَرَزَ لَهُ عَمِّى عَامِرٌ فَقَالَ :

قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّى عَامِرٌ *** شَاكِى السِّلاَحِ بَطَلٌ مُغَامِرٌ

قَالَ : فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ فَوَقَعَ سَيْفُ مَرْحَبٍ فِى تُرْسِ عَامِرٍ وَذَهَبَ عَامِرٌ يَسْفُلُ لَهُ فَرَجَعَ سَيْفُهُ عَلَى نَفْسِهِ فَقَطَعَ أَكْحَلَهُ فَكَانَتْ فِيهَا نَفْسُهُ .

قَالَ سَلَمَةُ : فَخَرَجْتُ فَإِذَا نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ : بَطَلَ عَمَلُ عَامِرٍ قَتَلَ نَفْسَهُ !

قَالَ : فَأَتَيْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِى فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ بَطَلَ عَمَلُ عَامِرٍ !

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ قَالَ ذَلِكَ ؟

قَالَ : قُلْتُ : نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِكَ .

قَالَ :كَذَبَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ . بَلْ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ .

( وَفِي رِوَايَةِ مُتْفَقٍ عَلَيْهَا قَالَ : قُلْتُ لَهُ فِدَاكَ أَبِى وَأُمِّى زَعَمُوا أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ قَالَ : مَنْ قَالَهُ ؟

قُلْتُ : فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ الأَنْصَارِىُّ .

فَقَالَ : كَذَبَ مَنْ قَالَهُ إِنَّ لَهُ لأَجْرَيْنِ . وَجَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ : إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ , قَلَّ عَرَبِىٌّ مَشَى بِهَا مِثْلَهُ (8) . )

وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى خَيْبَرَ لَيْلًا وَكَانَ إِذَا أَتَى قَوْمًا بِلَيْلٍ لَمْ يُغِرْ بِهِمْ حَتَّى يُصْبِحَ فَلَمَّا أَصْبَحَ خَرَجَتْ الْيَهُودُ بِمَسَاحِيهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ { فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ }(9)

قُلْتُ : كَانَتْ خَيْبَرُ ثَلاثَةَ مَجَامِيعَ : النَّطاةَ, والشِّقَ, والكَتيبةَ . وَكُلُّ مَجْمُوعَةِ ثَلاثَةُ حُصُونٍ, يَتَخَلَّلُهَا الزُّرُوعُ وَالنَّخِيلُ وَالمَنَازِلُ المُتَفَرِّقَةُ .

فَمَنْطِقَةُ النَّطَاةِ تَشْمَلُ : حِصْنَ نَاعِمٍ, وَحِصْنَ الصَّعْبِ بنِ مُعَاذٍ, وَحِصْنَ الزُّبَيرِ .

فَأَغَارَ المُسْلِمُونَ عَلَى حِصْنِ نَاعِمٍ, وَهو أَوَّلُ حُصُونِهِم, فَاسْتَعَصَى عَلَيْهِم . وَكَانَ فِيهِ مَرْحَبٌ فَارِسُ اليَهُودِ , وَهو الَّذِي قُتِلَ عَامِرٌ ( عَمُّ سَلَمَةَ بنِ الأَكْوَعِ ) أَثْنَاءَ مُبَارَزَتِهِ , وَفِيهِ أَيْضَاً أخوٌ لِمَرْحَبٍ وَاسْمُهُ يَاسِرٌ, وَكَانَ فَارِسَاً أَيْضَاُ , قَتَلَهُ الزُّبَيرُ بنُ العَوَّامِ, أَمَّا مَرْحَبٌ فَيَأتِي خَبَرُهُ مَعَ عَلىِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ .

فَلَمَّا تَأَخَرَ فَتْحُ الحِصْنِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ قَالَ فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَاهَا فَقَالَ : أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ؟

فَقَالُوا : يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ .

قَالَ : فَأَرْسِلُوا إِلَيْهِ فَأْتُونِي بِهِ . فَلَمَّا جَاءَ بَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ فَبَرَأَ حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ . فَقَالَ عَلِيٌّ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا ؟

فَقَالَ : انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِيهِ . فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ (10) .

وَفِي حَدِيثِ سَلَمَةَ بنِ الأَكْوَعِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ( المُتَقَدِّمِ - فِي صِحِيحِ مُسْلِمٍ ) قَالَ : ثُمَّ أَرْسَلَنِى إِلَى عَلِىٍّ وَهُوَ أَرْمَدُ فَقَالَ : لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلاً يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أَوْ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ .

قَالَ فَأَتَيْتُ عَلِيًّا فَجِئْتُ بِهِ أَقُودُهُ وَهُوَ أَرْمَدُ حَتَّى أَتَيْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَسَقَ فِى عَيْنَيْهِ فَبَرَأَ وَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ .

وَخَرَجَ مَرْحَبٌ ( مِنْ حِصْنِ نَاعِمٍ ) فَقَالَ :

 

قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّى مَرْحَبُ *** شَاكِى السِّلاَحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ

إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ

فَقَالَ عَلِىٌّ :

أَنَا الَّذِى سَمَّتْنِى أُمِّى حَيْدَرَهْ *** كَلَيْثِ غَابَاتٍ كَرِيهِ الْمَنْظَرَهْ***أُوفِيهِمُ بِالصَّاعِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ

قَالَ : فَضَرَبَ رَأْسَ مَرْحَبٍ فَقَتَلَهُ ثُمَّ كَانَ الْفَتْحُ عَلَى يَدَيْهِ. ( رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ )

ثُمَّ بَعْدَ سُقُوطِ حِصْنِ نَاعِمٍ, تحَصَّنَتِ اليَهُودُ فِي حِصْنِ الصَّعْبِ بنِ مُعَاذٍ وَبِهِ مِئَاتٌ مِن المُقَاتِلِينَ, وَفِيهِ الطَّعَامُ وَالمَتَاعُ , وَكَانَ المُسْلِمُونَ فِي ضَائِقَةٍ مِنْ قِلَّةِ الطَّعَامِ؛ حَتَّى هَمُّوا بِأَكْلِ الحُمُرِ الأَهْلِّيَةِ فَنَهَاهُم النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَرَّمَهَا عَلَيْهِم, وَأَمَرَ بإكْفَاءِ القُدُورِ (11) .

فَحَاصَرَ المُسْلِمُونَ حِصْنَ الصَّعْبِ , وَقَاوَمَ اليَهُودُ مُقَاوَمَةً عَنِيفَةً, وَتَمَّ الفَتْحُ وَسَقَطَ الحِصْنُ .

ثُمَّ فَتَحَ المُسْلِمُونَ حِصْنَ قَلْعَةِ الزُّبَيرِ, وَكَانَ بِهِ فُلُولُ الْيَهُودِ مِنْ حِصْنِ نَاعِمٍ وَحِصْنِ الصَّعْبِ , فَسَقَطَتْ بِذَلِكَ مَنْطِقَةُ النَّطَاةِ , وَأَهْلُهَا هُمْ أَشَدُّ اليَهُودِ, فَفَتَّ ذَلِكَ فِي عَضُدِهِمْ . فَتَتَابَعَتْ حُصُونُ اليَهُودِ فِي السُّقُوطِ وَالاسْتِسْلامِ .

 

قَالَ ابنَ إسْحَاقَ : وَحَاصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ خَيْبَرَ فِي حِصْنَيْهِمْ الْوَطِيحِ وَالسَّلَالِمِ ، حَتَّى إذَا أَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ سَأَلُوهُ أَنْ يُسَيِّرَهُمْ وَأَنْ يَحْقِنَ لَهُمْ دِمَاءَهُمْ فَفَعَلَ .

وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ حَازَ الْأَمْوَالَ كُلَّهَا : الشِّقَّ وَنَطَاةَ وَالْكَتِيبَةَ وَجَمِيعَ حُصُونِهِمْ إلَّا مَا كَانَ مِنْ ذَيْنِك الْحِصْنَيْنِ .

فَلَمَّا سَمِعَ بِهِمْ أَهْلُ فَدَكَ (12) قَدْ صَنَعُوا مَا صَنَعُوا ، بَعَثُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَهُ أَنْ يُسَيِّرَهُمْ وَأَنْ يَحْقِنَ دِمَاءَهُمْ وَيُخَلُّوا لَهُ الْأَمْوَالَ فَفَعَلَ .

وَكَانَ فِيمَنْ مَشَى بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ مُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ ، أَخُو بَنِي حَارِثَةَ فَلَمَّا نَزَلَ أَهْلُ خَيْبَرَ عَلَى ذَلِكَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعَامِلَهُمْ فِي الْأَمْوَالِ ( الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ ) عَلَى النِّصْفِ وَقَالُوا : نَحْنُ أَعْلَمُ بِهَا مِنْكُمْ وَأَعْمَرُ لَهَا ؛ فَصَالَحَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النِّصْفِ عَلَى أَنَّا إذَا شِئْنَا أَنْ نُخْرِجَكُمْ أَخْرَجْنَاكُمْ فَصَالَحَهُ أَهْلُ فَدَكَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ فَكَانَتْ خَيْبَرُ فَيْئًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَتْ فَدَكُ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَجْلِبُوا عَلَيْهَا بِخَيْلِ وَلَا رِكَابٍ .

قُلْتُ : فِي ( الصَّحِيحَينِ ) عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ : أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ الْيَهُودَ أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا (13) .

وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَجْلَى الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ظَهَرَ عَلَى خَيْبَرَ أَرَادَ إِخْرَاجَ الْيَهُودِ مِنْهَا وَكَانَتِ الأَرْضُ حِينَ ظُهِرَ عَلَيْهَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ فَأَرَادَ إِخْرَاجَ الْيَهُودِ مِنْهَا فَسَأَلَتِ الْيَهُودُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقِرَّهُمْ بِهَا عَلَى أَنْ يَكْفُوا عَمَلَهَا وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ .

فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : نُقِرُّكُمْ بِهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا .

فَقَرُّوا بِهَا حَتَّى أَجْلاَهُمْ عُمَرُ إِلَى تَيْمَاءَ وَأَرِيحَاءَ (14) .

زَوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا خَيْبَرَ

( وَذَكَرَ الحَدِيث, وَفِيهِ قَالَ ) : فَأَصَبْنَاهَا عَنْوَةً فَجُمِعَ السَّبْيُ فَجَاءَ دِحْيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَعْطِنِي جَارِيَةً مِنْ السَّبْيِ .

قَالَ : اذْهَبْ فَخُذْ جَارِيَةً . فَأَخَذَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ .

فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَعْطَيْتَ دِحْيَةَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ سَيِّدَةَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لَكَ .

قَالَ : ادْعُوهُ بِهَا . فَجَاءَ بِهَا فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خُذْ جَارِيَةً مِنْ السَّبْيِ غَيْرَهَا .

قَالَ : فَأَعْتَقَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَزَوَّجَهَا .

فَقَالَ لَهُ ثَابِتٌ : يَا أَبَا حَمْزَةَ مَا أَصْدَقَهَا ؟

قَالَ : نَفْسَهَا , أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا حَتَّى إِذَا كَانَ بِالطَّرِيقِ جَهَّزَتْهَا لَهُ أُمّ ُسُلَيْمٍ فَأَهْدَتْهَا لَهُ مِنْ اللَّيْلِ فَأَصْبَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرُوسًا . فَقَالَ : مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَلْيَجِئْ بِهِ وَبَسَطَ نِطَعًا فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالتَّمْرِ وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالسَّمْنِ , قَالَ : وَأَحْسِبُهُ قَدْ ذَكَرَ السَّوِيقَ .

قَالَ : فَحَاسُوا حَيْسًا فَكَانَتْ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (15) .

الشَّاةُ المَسْمُومَةُ

عَنْ أَنَسٍ أَنَّ امْرَأَةً يَهُودِيَّةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ , فَأَكَلَ مِنْهَا فَجِىءَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ أَرَدْتُ لأَقْتُلَكَ .

قَالَ : مَا كَانَ اللَّهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَى ذَاكِ . قَالَ : أَوْ قَالَ : عَلَىَّ .

قَالَ : قَالُوا : أَلاَ نَقْتُلُهَا ؟

قَالَ : لاَ .

قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فِى لَهَوَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (16) .

تابع قراءة الدرس بتحميله من الرابط أعلاه