الدرس الثامن : بيعة العقبة الأولى والثانية

الدرس الثامن : بَيْعَةُ الْعَقَبَةِ ( الْأُولَى , وَالثَّانية )

 

لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إظْهَارَ دِينِهِ وَإِعْزَازَ نَبِيَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْجَازَ مَوْعِدِهِ لَهُ , خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَوْسِمِ الَّذِي لَقِيَهُ فِيهِ النَّفَرُ مِنْ الْأَنْصَارِ ، فَعَرَضَ نَفْسَهُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ ، كَمَا كَانَ يَصْنَعُ فِي كُلِّ مَوْسِمٍ .

فَبَيْنَمَا هُوَ عِنْدَ الْعَقَبَةِ لَقِيَ رَهْطًا مِنْ الْخَزْرَجِ أَرَادَ اللَّهُ بِهِمْ خَيْرًا .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ( الأنْصَاريُّ ) ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ قَالُوا : لَمَّا لَقِيَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ مَنْ أَنْتُمْ ؟

قَالُوا : نَفَرٌ مِنْ الْخَزْرَجِ .

قَالَ : أَمِنْ مَوَالِي يَهُودَ ؟

قَالُوا : نَعَمْ .

قَالَ : أَفَلَا تَجْلِسُونَ أُكَلِّمُكُمْ ؟

قَالُوا : بَلَى .

فَجَلَسُوا مَعَهُ فَدَعَاهُمْ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ الْإِسْلَامَ وَتَلَا عَلَيْهِمْ الْقُرْآنَ .

قَالَ : وَكَانَ مِمَّا صَنَعَ اللَّهُ بِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ أَنَّ يَهُودَ كَانُوا مَعَهُمْ فِي بِلَادِهِمْ وَكَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ وَعِلْمٍ وَكَانُوا هُمْ أَهْلَ شِرْكٍ وَأَصْحَابَ أَوْثَانٍ وَكَانُوا قَدْ غَزَوْهُمْ بِبِلَادِهِمْ فَكَانُوا إذَا كَانَ بَيْنَهُمْ شَيْءٌ قَالُوا لَهُمْ إنَّ نَبِيًّا مَبْعُوثٌ الْآنَ، قَدْ أَظَلَّ زَمَانُهُ نَتَّبِعُهُ فَنَقْتُلُكُمْ مَعَهُ قَتْلَ عَادٍ وَإِرَمَ .

فَلَمَّا كَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُولَئِكَ النَّفَرَ وَدَعَاهُمْ إلَى اللَّهِ , قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ يَا قَوْمِ تَعْلَمُوا وَاَللَّهِ إنَّهُ لَلنَّبِيُّ الَّذِي تَوَعَّدَكُمْ بِهِ يَهُودُ فَلَا تَسْبِقُنَّكُمْ إلَيْهِ . فَأَجَابُوهُ فِيمَا دَعَاهُمْ إلَيْهِ بِأَنْ صَدَّقُوهُ وَقَبِلُوا مِنْهُ مَا عَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْإِسْلَامِ وَقَالُوا : إنّا قَدْ تَرَكْنَا قَوْمَنَا ، وَلَا قَوْمَ بَيْنَهُمْ مِنْ الْعَدَاوَةِ وَالشَّرِّ مَا بَيْنَهُمْ فَعَسَى أَنْ يَجْمَعَهُمْ اللَّهُ بِك ، فَسَنَقْدَمُ عَلَيْهِمْ فَنَدْعُوهُمْ إلَى أَمْرِك ، وَتَعْرِضُ عَلَيْهِمْ الَّذِي أَجَبْنَاك إلَيْهِ مِنْ هَذَا الدِّينِ فَإِنْ يَجْمَعْهُمْ اللَّهُ عَلَيْهِ فَلَا رَجُلَ أَعَزَّ مِنْك .

ثُمَّ انْصَرَفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعِينَ إلَى بِلَادِهِمْ وَقَدْ آمَنُوا وَصَدَّقُوا .

وَهُمْ سِتّةُ نَفَرٍ مِنْ الْخَزْرَجِ ، مِنْهُمْ مِنْ بَنِي النّجّارِ :

أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ وَهُوَ أَبُو أُمَامَةَ , وَعَوْفُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ رِفَاعَةَ وَهُوَ ابْنُ عَفْرَاءَ .

وَمِنْ بَنِي زُرَيْقِ : رَافِعُ بْنُ مَالِكِ .

وَمِنْ بَنِي سَلِمَةَ : قُطْبَةُ بْنُ عَامِرِ .

وَمِنْ بَنِي حَرَامِ : عُقْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَابِي .

وَمِنْ بَنِي عُبَيْدِ : جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رِئَابِ .

فَلَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ إلَى قَوْمِهِمْ ذَكَرُوا لَهُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَوْهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى فَشَا فِيهِمْ فَلَمْ يَبْقَ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إلَّا وَفِيهَا ذِكْرٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

بَيْعَةُ الْعَقَبَةِ الْأُولَى

حَتّى إذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ وَافَى الْمَوْسِمَ مِنْ الْأَنْصَارِ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا ، فَلَقَوْهُ بِالْعَقَبَةِ .

( قَالَ ) وَهِيَ الْعَقَبَةُ الْأُولَى ، فَبَايَعُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى بَيْعَةِ النّسَاءِ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُفْتَرَضَ عَلَيْهِمْ الْحَرْبُ

مِنْهُمْ مِنْ بَنِي النّجّارِ :

1- أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ أَبُو أُمَامَةَ

2- وَعَوْفُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ رِفَاعَةَ

3- وَمُعَاذُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ رِفَاعَةَ , وَهُمَا ابْنَا عَفْرَاءَ .

وَمِنْ بَنِي زُرَيْقِ :

4- رَافِعُ بْنُ مَالِكِ

5- وَذَكْوَانُ بْنُ عَبْدِ قَيْسِ

وَمِنْ بَنِي عَوْفِ :

6- عُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ

7- وَأَبُو عَبْدِ الرّحْمَنِ وَهُوَ يَزِيدُ بْنُ ثَعْلَبَةَ , مِنْ بَنِي غُصَيْنَةَ مِنْ بَلِيّ ، حَلِيفٌ لَهُمْ .

وَمِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفِ :

8- الْعَبّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ نَضَلَةَ

وَمِنْ بَنِي سَلِمَةَ :

9- عُقْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَابِي

وَمِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ غَنْمِ :

10- قُطْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ

وَشَهِدَهَا مِنْ الْأَوْسِ , ثُمّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ :

11- أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيِّهَانِ

وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفِ :

12- عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْيَزَنِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُسَيْلَةَ الصُّنَابِحِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ ، قَالَ : كُنْت فِيمَنْ حَضَرَ الْعَقَبَةَ الْأُولَى ، وَكُنّا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا ، فَبَايَعْنَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى بَيْعَةِ النّسَاءِ (1) , وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُفْتَرَضَ الْحَرْبُ عَلَى أَنْ لَا نُشْرِكَ بِاَللّهِ شَيْئًا ، وَلَا نَسْرِقَ وَلَا نَزْنِيَ وَلَا نَقْتُلَ أَوْلَادَنَا ، وَلَا نَأْتِيَ بِبُهْتَانِ نَفْتَرِيهِ مِنْ بَيْنِ أَيْدِينَا وَأَرْجُلِنَا ، وَلَا نَعْصِيَهُ فِي مَعْرُوفٍ . فَإِنْ وَفَّيْتُمْ فَلَكُمْ الْجَنّةُ . وَإِنْ غَشِيتُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَأَمْرُكُمْ إلَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ إنْ شَاءَ عَذّبَ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ(2) .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ ، عَنْ عَائِذِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْخَوْلَانِيّ أَبِي إدْرِيسَ أَنّ عُبَادَةَ بْنَ الصّامِتِ حَدّثَهُ أَنّهُ قَالَ بَايَعْنَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ الْأُولَى عَلَى أَنْ لَا نُشْرِكَ بِاَللّهِ شَيْئًا ، وَلَا نَسْرِقَ وَلَا نَزْنِيَ وَلَا نَقْتُلَ أَوْلَادَنَا ، وَلَا نَأْتِيَ بِبُهْتَانِ نَفْتَرِيهِ مِنْ بَيْنِ أَيْدِينَا وَأَرْجُلِنَا وَلَا نَعْصِيَهُ فِي مَعْرُوفٍ فَإِنْ وَفَيْتُمْ فَلَكُمْ الْجَنّةُ ، وَإِنْ غَشِيتُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا, فَأُخِذْتُمْ بِحَدِّهِ فِي الدُّنْيَا ، فَهُوَ كَفّارَةٌ لَهُ وَإِنْ سُتِرْتُمْ عَلَيْهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَأَمْرُكُمْ إلَى اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ إنْ شَاءَ عَذَّبَ وَإِنْ شَاءَ غَفَر .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا انْصَرَفَ عَنْهُ الْقَوْمُ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُمْ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُقْرِئَهُمْ الْقُرْآنَ وَيُعَلَّمَهُمْ الْإِسْلَامَ وَيُفَقَّهَهُمْ فِي الدّينِ فَكَانَ يُسَمَّى الْمُقْرِئَ بِالْمَدِينَةِ : مُصْعَبٌ . وَكَانَ مَنْزِلُهُ عَلَى أَسْعَدِ بْنِ زُرَارَةَ بْنِ عُدَسَ أَبِي أُمَامَةَ .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ : أَنّهُ كَانَ يُصَلّي بِهِمْ ؛ وَذَلِكَ أنَّ الْأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ كَرِهَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَؤُمَّهُ بَعْضٌ .

أَوَّلُ جُمُعَةٍ أَقِيمَتْ بِالْمَدِينَةِ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ ، عَنْ أَبِيهِ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ كُنْت قَائِدَ أَبِي ، كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، حِينَ ذَهَبَ بَصَرُهُ فَكُنْتُ إذَا خَرَجْتُ بِهِ إلَى الْجُمُعَةِ فَسَمِعَ الْأَذَانَ بِهَا صَلَّى عَلَى أَبِي أُمَامَةَ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ (3) .

قَالَ فَمَكَثَ حِينًا عَلَى ذَلِكَ لَا يَسْمَعُ الْأَذَانَ لِلْجُمُعَةِ إلّا صَلَّى عَلَيْهِ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ .

قَالَ فَقُلْت فِي نَفْسِي : وَاَللّهِ إنّ هَذَا بِي لَعَجْزٌ أَلَّا أَسْأَلَهُ مَا لَهُ إذَا سَمِعَ الْأَذَانَ لِلْجُمُعَةِ صَلَّى عَلَى أَبِي أُمَامَةَ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ ؟

قَالَ فَخَرَجْت بِهِ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ كَمَا كُنْت أَخْرُجُ فَلَمَّا سَمِعَ الْأَذَانَ لِلْجُمُعَةِ صَلّى عَلَيْهِ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ . قَالَ فَقُلْت لَهُ يَا أَبَتِ مَا لَك إذَا سَمِعْتَ الْأَذَانَ لِلْجُمُعَةِ صَلَّيْت عَلَى أَبِي أُمَامَةَ ؟

قَالَ فَقَالَ أَيْ بُنَيَّ كَانَ أَوَّلَ مَنْ جَمَّعَ بِنَا بِالْمَدِينَةِ فِي هَزْمِ النَّبِيتِ ، مِنْ حَرَّةِ بَنِي بَيَاضَةَ ، يُقَالُ لَهُ نَقِيعُ الْخَضَمَاتِ ، قَالَ قُلْتُ : وَكَمْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ ؟ قَالَ أَرْبَعُونَ رَجُلًا (4) .

بَيْعَةُ الْعَقَبَةِ الثّانِيَةِ

ثُمّ إنّ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ رَجَعَ إلَى مَكّةَ ، وَخَرَجَ مَنْ خَرَجَ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَى الْمَوْسِمِ مَعَ حَجّاجِ قَوْمِهِمْ مِنْ أَهْلِ الشّرْكِ حَتّى قَدِمُوا مَكّةَ ، فَوَاعَدُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْعَقَبَةَ ، مِنْ أَوْسَطِ أَيّامِ التّشْرِيقِ حِينَ أَرَادَ اللّهُ بِهِمْ مَا أَرَادَ مِنْ كَرَامَتِهِ وَالنّصْرِ لِنَبِيّهِ وَإِعْزَازِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ وَإِذْلَالِ الشّرْكِ وَأَهْلِهِ .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدَّثَنِي مَعْبَدُ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَبِي كَعْبِ بْنِ الْقَيْنِ أَخُو بَنِي سَلِمَةَ أَنَّ أَخَاهُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ كَعْبٍ وَكَانَ مِنْ أَعْلَمِ الْأَنْصَارِ ، حَدّثَهُ أَنَّ أَبَاهُ كَعْبًا حَدَّثَهُ وَكَانَ كَعْبٌ مِمّنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ وَبَايَعَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا ، قَالَ خَرَجْنَا فِي حُجَّاجِ قَوْمِنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ صَلَّيْنَا وَفَقِهْنَا ، وَمَعَنَا الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ ، سَيِّدُنَا وَكَبِيرُنَا ، فَلَمَّا وَجَّهْنَا لِسَفَرِنَا ، وَخَرَجْنَا مِنْ الْمَدِينَةِ ، قَالَ الْبَرَاءُ لَنَا : يَا هَؤُلَاءِ إنّي قَدْ رَأَيْت رَأْيًا ، فَوَاَللّهِ مَا أَدْرِي ، أَتُوَافِقُونَنِي عَلَيْهِ أَمْ لَا ؟ قَالَ قُلْنَا : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ قَدْ رَأَيْت أَنْ لَا أَدَعَ هَذِهِ الْبَنِيَّةَ مِنّي بِظَهْرٍ يَعْنِي الْكَعْبَةَ ، وَأَنْ أُصَلَّيَ إلَيْهَا . قَالَ فَقُلْنَا ، وَاَللّهِ مَا بَلَغَنَا أَنّ نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إلَّا إلَى الشَّامِ وَمَا نُرِيدُ أَنْ نُخَالِفَهُ . قَالَ فَقَالَ إنّي لَمُصَلٍّ إلَيْهَا . قَالَ فَقُلْنَا لَهُ لَكِنَّا لَا نَفْعَلُ .

قَالَ فَكُنَّا إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ صَلَّيْنَا إلَى الشَّامِ ، وَصَلَّى إلَى الْكَعْبَةِ ، حَتَّى قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ وَقَدْ كُنَّا عِبْنَا عَلَيْهِ مَا صَنَعَ وَأَبَى إلَّا الْإِقَامَةَ عَلَى ذَلِكَ . فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ لِي : يَا ابْنَ أَخِي ، انْطَلِقْ بِنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَسْأَلَهُ عَمَّا صَنَعْتُ فِي سَفَرِي هَذَا ، فَإِنَّهُ وَاَللَّهِ لَقَدْ وَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ خِلَافِكُمْ إيَّايَ فِيهِ .

 

قَالَ فَخَرَجْنَا نَسْأَلُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُنَّا لَا نَعْرِفُهُ وَلَمْ نَرَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَقِينَا رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ ، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ هَلْ تَعْرِفَانِهِ ؟ فَقُلْنَا : لَا ، قَالَ فَهَلْ تَعْرِفَانِ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمَّهُ ؟ قَالَ قُلْنَا : نَعَمْ - قَالَ وَقَدْ كُنَّا نَعْرِفُ الْعَبَّاسَ كَانَ لَا يَزَالُ يَقْدَمُ عَلَيْنَا تَاجِرًا - قَالَ فَإِذَا دَخَلْتُمَا الْمَسْجِدَ فَهُوَ الرَّجُلُ الْجَالِسُ مَعَ الْعَبَّاسِ .

قَالَ : فَدَخَلْنَا الْمَسْجِدَ فَإِذَا الْعَبَّاسُ جَالِسٌ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ مَعَهُ فَسَلَّمْنَا ثُمَّ جَلَسْنَا إلَيْهِ .

فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ هَلْ تَعْرِفُ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ يَا أَبَا الْفَضْلِ ؟

قَالَ نَعَمْ هَذَا الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ ، سَيِّدُ قَوْمِهِ وَهَذَا كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ . قَالَ فَوَاَللَّهِ مَا أَنْسَى قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الشّاعِرُ ؟ قَالَ نَعَمْ .

( قَالَ ) : فَقَالَ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ : يَا نَبِيَّ اللّهِ إنِّي خَرَجْتُ فِي سَفَرِي هَذَا ، وَقَدْ هَدَانِي اللَّهُ لِلْإِسْلَامِ فَرَأَيْتُ أَنْ لَا أَجْعَلَ هَذِهِ الْبَنِيَّةَ مِنِّي بِظَهْرٍ فَصَلَّيْت إلَيْهَا ، وَقَدْ خَالَفَنِي أَصْحَابِي فِي ذَلِكَ حَتَّى وَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَمَاذَا تَرَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟

قَالَ : قَدْ كُنْتَ عَلَى قِبْلَةٍ لَوْ صَبَرْتَ عَلَيْهَا .

قَالَ فَرَجَعَ الْبَرَاءُ إلَى قِبْلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَلَّى مَعَنَا إلَى الشّامِ . قَالَ وَأَهْلُهُ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ صَلَّى إلَى الْكَعْبَةِ حَتَّى مَاتَ وَلَيْسَ ذَلِكَ كَمَا قَالُوا ، نَحْنُ أَعْلَمُ بِهِ مِنْهُمْ .

ثُمَّ خَرَجْنَا إلَى الْحَجِّ وَوَاعَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَقَبَةِ مِنْ أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ . قَالَ فَلَمَّا فَرَغْنَا مِنْ الْحَجِّ وَكَانَتْ اللَّيْلَةُ الَّتِي وَاعَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا ، وَمَعَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ أَوْ جَابِرٌ سَيِّدٌ مِنْ سَادَاتِنَا ، وَشَرِيفٌ مِنْ أَشْرَافِنَا ، أَخَذْنَاهُ مَعَنَا ، وَكُنَّا نَكْتُمُ مَنْ مَعَنَا مِنْ قَوْمِنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ أَمْرَنَا ، فَكَلَّمْنَاهُ وَقُلْنَا لَهُ يَا أَبَا جَابِرٍ إنَّك سَيِّدٌ مِنْ سَادَاتِنَا ، وَشَرِيفٌ مِنْ أَشْرَافِنَا ، وَإِنَّا نَرْغَبُ بِك عَمَّا أَنْتَ فِيهِ أَنْ تَكُونَ حَطَبًا لِلنَّارِ غَدًا ، ثُمَّ دَعَوْنَاهُ إلَى الْإِسْلَامِ وَأَخْبَرْنَاهُ بِمِيعَادِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيَّانَا الْعَقَبَةَ .

قَالَ فَأَسْلَمَ وَشَهِدَ مَعَنَا الْعَقَبَةَ ، وَكَانَ نَقِيبًا .

قَالَ فَنِمْنَا تَلِك اللَّيْلَةَ مَعَ قَوْمِنَا فِي رِحَالِنَا ، حَتّى إذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ خَرَجْنَا مِنْ رِحَالِنَا لِمَعَادِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَتَسَلَّلُ تَسَلُّلَ الْقَطَا مُسْتَخْفِينَ حَتَّى اجْتَمَعْنَا فِي الشِّعْبِ عِنْدَ الْعَقَبَةِ ، وَنَحْنُ ثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ رَجُلًا ، وَمَعَنَا امْرَأَتَانِ مِنْ نِسَائِنَا : نُسَيْبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ أُمُّ عُمَارَةَ إحْدَى نِسَاءِ بَنِي مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ, وَأَسْمَاءُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عَدِيِّ بْنِ نَابِي ، إحْدَى نِسَاءِ بَنِي سَلِمَةَ وَهِيَ أُمُّ مَنِيعٍ .

قَالَ : فَاجْتَمَعْنَا فِي الشِّعْبِ نَنْتَظِرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَاءَنَا وَمَعَهُ عَمُّهُ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ إلَّا أَنَّهُ أَحَبَّ أَنْ يَحْضُرَ أَمْرَ ابْنِ أَخِيهِ وَيَتَوَثَّقَ لَهُ . فَلَمَّا جَلَسَ كَانَ أَوَّلَ مُتَكَلِّمٍ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، فَقَالَ :

يَا مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ - قَالَ وَكَانَتْ الْعَرَبُ إنَّمَا يُسَمُّونَ هَذَا الْحَيَّ مِنْ الْأَنْصَارِ : الْخَزْرَجَ ، خَزْرَجَهَا وَأَوْسَهَا - : إنَّ مُحَمَّدًا مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتُمْ وَقَدْ مَنَعْنَاهُ مِنْ قَوْمِنَا ، مِمَّنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ رَأْيِنَا فِيهِ فَهُوَ فِي عِزٍّ مِنْ قَوْمِهِ وَمَنَعَةٍ فِي بَلَدِهِ وَإِنَّهُ قَدْ أَبَى إلَّا الِانْحِيَازَ إلَيْكُمْ وَاللُّحُوقَ بِكُمْ فَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّكُمْ وَافُونَ لَهُ بِمَا دَعَوْتُمُوهُ إلَيْهِ وَمَانِعُوهُ مِمَّنْ خَالَفَهُ فَأَنْتُمْ وَمَا تَحَمَّلْتُمْ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّكُمْ مُسْلِمُوهُ وَخَاذِلُوهُ بَعْدَ الْخُرُوجِ بِهِ إلَيْكُمْ، فَمِنْ الْآنَ فَدَعُوهُ. فَإِنَّهُ فِي عِزٍّ وَمَنَعَةٍ مِنْ قَوْمِهِ وَبَلَدِهِ.

قَالَ فَقُلْنَا لَهُ قَدْ سَمِعْنَا مَا قُلْت ، فَتَكَلَّمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَخُذْ لِنَفْسِك وَلِرَبِّك مَا أَحْبَبْت .

قَالَ فَتَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَتَلَا الْقُرْآنَ وَدَعَا إلَى اللّهِ وَرَغَّبَ فِي الْإِسْلَامِ ثُمَّ قَال : أُبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ تَمْنَعُونِي مِمّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ نِسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ .

قَالَ فَأَخَذَ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ بِيَدِهِ ثُمّ قَالَ نَعَمْ وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ نَبِيّا لَنَمْنَعَنَّك مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أُزُرَنَا فَبَايِعْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَنَحْنُ وَاَللَّهِ أَبْنَاءُ الْحُرُوبِ وَأَهْلُ الْحَلْقَةِ وَرِثْنَاهَا كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ .

قَالَ فَاعْتَرَضَ الْقَوْلَ وَالْبَرَاءُ يُكَلِّمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيِّهَانِ ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الرِّجَالِ حِبَالًا ، وَإِنَّا قَاطِعُوهَا - يَعْنِي الْيَهُودَ - فَهَلْ عَسَيْتَ إنْ نَحْنُ فَعَلْنَا ذَلِكَ ثُمَّ أَظْهَرَك اللَّهُ أَنْ تَرْجِعَ إلَى قَوْمِك وَتَدَعَنَا ؟

قَالَ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ : بَلْ الدَّمَ الدَّمَ وَالْهَدْمَ الْهَدْمَ أَنَا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مِنِّي ، أُحَارِبُ مَنْ حَارَبْتُمْ وَأُسَالِمُ مَنْ سَالَمْتُمْ .

قَالَ كَعْبُ : وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَخْرِجُوا إلَيّ مِنْكُمْ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا ، لِيَكُونُوا عَلَى قَوْمِهِمْ بِمَا فِيهِمْ . فَأَخْرَجُوا مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا ، تِسْعَةً مِنْ الْخَزْرَجِ ، وَثَلَاثَةً مِنْ الْأَوْسِ .

قَالَ كَعْبٌ : كَانَ أَوَّلَ مَنْ ضَرَبَ عَلَى يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ ، ثُمَّ بَايَعَ بَعْدُ الْقَوْمُ . فَلَمَّا بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَرَخَ الشَّيْطَانُ مِنْ رَأْسِ الْعَقَبَةِ بِأَنْفَذِ صَوْتٍ سَمِعْتُهُ قَطُّ : يَا أَهْلَ الْجُبَاجِبِ - وَالْجُبَاجِبُ : الْمَنَازِلُ - هَلْ لَكُمْ فِي مُذَمَّمٍ وَالصُّبَاةُ مَعَهُ قَدْ اجْتَمَعُوا عَلَى حَرْبِكُمْ .

قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَذَا أَزَبُّ الْعَقَبَةِ هَذَا ابْنُ أَزْيَبَ , أَتَسْمَعُ أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ أَمَا وَاَللَّهِ لَأَفْرُغَنَّ لَك .

ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ارْفَضُّوا إلَى رِحَالِكُمْ .

قَالَ : فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ : وَاَللَّهِ الَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ إنْ شِئْتَ لَنَمِيلَنَّ عَلَى أَهْلِ مِنًى غَدًا بِأَسْيَافِنَا ؟

قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ نُؤْمَرْ بِذَلِكَ وَلَكِنْ ارْجِعُوا إلَى رِحَالِكُمْ .

قَالَ فَرَجَعْنَا إلَى مَضَاجِعِنَا ، فَنِمْنَا عَلَيْهَا حَتَّى أَصْبَحْنَا .

فَلَمَّا أَصْبَحْنَا غَدَتْ عَلَيْنَا جُلَّةُ قُرَيْشٍ ، حَتَّى جَاءُونَا فِي مَنَازِلِنَا ، فَقَالُوا : يَا مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ ، إنّهُ قَدْ بَلَغَنَا أَنَّكُمْ قَدْ جِئْتُمْ إلَى صَاحِبِنَا هَذَا تَسْتَخْرِجُونَهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا ، وَتُبَايِعُونَهُ عَلَى حَرْبِنَا ، وَإِنَّهُ وَاَللَّهِ مَا مِنْ حَيٍّ مِنْ الْعَرَبِ أَبْغَضُ إلَيْنَا ، أَنْ تَنْشَبَ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مِنْكُمْ .

قَالَ فَانْبَعَثَ مَنْ هُنَاكَ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِنَا يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ مَا كَانَ مِنْ هَذَا شَيْءٌ وَمَا عَلِمْنَاهُ .

قَالَ وَقَدْ صَدَقُوا ، لَمْ يَعْلَمُوهُ . قَالَ وَبَعْضُنَا يَنْظُرُ إلَى بَعْضٍ .

قَالَ ثُمَّ قَامَ الْقَوْمُ وَفِيهِمْ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيّ ، وَعَلَيْهِ نَعْلَانِ لَهُ جَدِيدَانِ قَالَ فَقُلْتُ لَهُ كَلِمَةً - كَأَنَّي أُرِيدُ أَنْ أَشْرَكَ الْقَوْمَ بِهَا فِيمَا قَالُوا - : يَا أَبَا جَابِرٍ أَمَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَتَّخِذَ وَأَنْت سَيِّدٌ مِنْ سَادَاتِنَا ، مِثْلَ نَعْلَيْ هَذَا الْفَتَى مِنْ قُرَيْشٍ ؟

قَالَ فَسَمِعَهَا الْحَارِثُ فَخَلَعَهُمَا مِنْ رِجْلَيْهِ ثُمَّ رَمَى بِهِمَا إلَيَّ وَقَالَ وَاَللَّهِ لِتَنْتَعِلَنَّهُمَا .

قَالَ يَقُولُ أَبُو جَابِرٍ مَهْ أَحْفَظْتَ وَاَللَّهِ الْفَتَى ، فَارْدُدْ إلَيْهِ نَعْلَيْهِ .

قَالَ قُلْت : وَاَللَّهِ لَا أَرُدُّهُمَا ، فَأْلٌ وَاَللَّهِ صَالِحٌ لَئِنْ صَدَقَ الْفَأْلُ لَأَسْلُبَنَّهُ (5) .

أَسَمَاءُ النّقَبَاءِ الِاثْنَيْ عَشَرَ

مِنْ الْخَزْرَجِ : أَبُو أُمَامَةَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ , وَسَعْدُ بْنُ الرّبِيعِ , وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ , وَرَافِعُ بْنُ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ , وَالْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورِ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامِ ، وَعُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ , وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ، وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرِو .

وَمِنْ الْأَوْسِ : أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرِ , وَسَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ , وَرِفَاعَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ . (قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَعُدُّونَ فِيهِمْ أَبَا الْهَيْثَمِ بْنَ التَّيِّهَانِ وَلَا يَعُدُّونَ رِفَاعَةَ )

ـــــــــــ

الحاشية :

(1) قال الحافظ ابن كثير : قوله: " على بيعة النساء " يعنى على وَفق ما نزلت عليه بيعة النساء - بعد ذلك - عام الحديبية، وكان هذا مما نزل على وفق ما بايع عليه أصحابه ليلة العقبة . وليس هذا عجيبا، فإن القرآن نزل بموافقة عمر بن الخطاب في غير ما موطن . وإن كانت هذه البيعة وقعت عن وحى غير متلو فهو أظهر . والله أعلم .

 

(2) إسناده صحيح . والذي بعده لم يُصرِّح فيه ابن إسحاق بالسماع من الزهري , وابن إسحاق معروف بالتدليس , غير أنه صحيح بالذي قبله , ثم إن الحديث مخرج في الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه . ( اللؤلؤ والمرجان 2 / 190 )

(3) أي : دعا له . وفي رواية أبي داود قال : كان إذا سمع النداء يوم الجمعة ترَّحم لأسعدَ بن زُرارةَ .

(4) إسناده صحيح . وأخرجه أبو داود ( 1069 ) مختصراً من طريق ابن إسحاق به .

(5) إسناده صحيح . وأخرجه أحمد ( 3 / 460 – 462 ) , وابن حبان ( 7011 ) من طريق ابن إسحاق به .